الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}اعلم أن هذا هو النوع الثالث من النعم التي أظهرها الله للمسلمين يوم بدر، والمراد أن القليل الذي حصل في النوم تأكد ذلك بحصوله في اليقظة.قال صاحب الكشاف: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} الضميران مفعولان يعني إذ يبصركم أياهم، و{قَلِيلًا} نصب على الحال.واعلم أنه تعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين، وقلل أيضًا عدد المؤمنين في أعين المشركين.والحكمة في التقليل الأول، تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضًا لتقوى قلوبهم وتزداد جراءتهم عليهم، والحكمة في التقليل.الثاني: أن المشركين لما استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب والحذر، فصار ذلك سببًا لاستيلاء المؤمنين عليهم.فإن قيل: كيف يجوز أن يريهم الكثير قليلًا؟قلنا: أما على ما قلنا فذاك جائز، لأن الله تعالى خلق الإدراك في حق البعض دون البعض.وأما المعتزلة فقالوا: لعل العين منعت من إدراك الكل، أو لعل الكثير منهم كانوا في غاية البعد فما حصلت رؤيتهم.ثم قال: {لّيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}.فإن قيل: ذكر هذا الكلام في الآية المتقدمة، فكان ذكره هاهنا محض التكرار.قلنا: المقصود من ذكره في الآية المتقدمة هو أنه تعالى فعل تلك الأفعال ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه يكون معجزة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.والمقصود من ذكره ههنا، ليس هو ذلك المعنى، بل المقصود أنه تعالى ذكر هاهنا أنه قلل عدد المؤمنين في أعين المشركين، فبين هاهنا أنه إنما فعل ذلك ليصير ذلك سببًا لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر، فيصير ذلك سببًا لانكسارهم.ثم قال: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الامور} والغرض منه التنبيه على أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زادًا ليوم المعاد. اهـ..قال السمرقندي: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم} يعني يوم بدر {فِى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} في العدد.وروى أبو عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: لقد قللّوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة.حتى أخذنا رجلًا منهم فسألناه، فقال: كنا ألفًا، ثم قال: {وَيُقَلّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} معشر المؤمنين في أعين المشركين وذلك حين لقوا العدو قلَّل الله المشركين في أعين المؤمنين، لكيلا يجبنوا وقلل المؤمنين، في أعين المشركين، ليزدادوا جرأة على القتال حتى قتلوا، ولكي يظهر الله عندهم فضل المؤمنين.{لّيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، يعني إذا قضى الله تعالى أمرًا فهو كائن، وهو النصرة للمؤمنين والذل لأهل الشرك بالقتل والهزيمة.{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}، يعني عواقب الأمور في الآخرة. اهـ..قال الثعلبي: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا}قال مقاتل: ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل لقاء العدو فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رأى.فقالوا: رؤيا النبيّ حق، القوم قليل، فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين المؤمنين وأصدق رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم.قال عبد الله بن مسعود: لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتّى قلت لرجل إلى جنبي: نراهم سبعين قال أراهم مائة فأسرنا رجلا فقلنا كم كنتم؟ قال: ألفًا. ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم.قال السدي: قال أُناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا. فقال أبو جهل: الآن إذا ينحدر لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتّى تستأصلوهم ولا تقتلوهم بالسلاح خذوهم أخذًا كي لا يعبد الله بعد اليوم، إنّما محمد وأصحابه أكلة جزور فاربطوهم بالجبال.كقوله من القدرة على نفسه.قال الكلبي: استقلّ المؤمنون المشركين والمشركون المؤمنين، البحتري: بعضهم على بعض.{لِيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} كائنًا في علمه، نصر الإسلام وأهله وذل الشرك وأهله.وقال محمد بن إسحاق: ليقضي الله أمرا كان مفعولًا بالانتقام من أعدائه والإنعام على أوليائه {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور}. اهـ..قال ابن عطية: قوله: {وإذ يريكموهم إذا التقيتم} الآية.{وإذ} عطف على الأولى، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع، وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين، والمعنى أن الله تعالى لما أراد من إنفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهاره قلل كل طائفة في عيون الأخرى، فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا التجسد كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب، وري في هذا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لقد قلت ذلك اليوم لرجل إلى جنبي أتظنهم سبعين؟ قال بل هم مائة، قال فلما هزمناهم أسرنا منهم رجلًا فقلنا كم كنتم؟ قال ألفًا.قال القاضي أبو محمد: ويرد على هذا المعنى في التقليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل عما ينحرون كل يوم، فأخبر أنهم يومًا عشرًا ويومًا تسعًا، قال هم ما بين التسعمائة إلى الألف، فإما أن عبد الله ومن جرى مجراه لم يعلم بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن نفرض التقليل الذي في الآية تقليل القدر والمهابة والمنزلة من النجدة، وتقدم في مثل قوله: {ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا} والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو للقصة بأجمعها، وذهب بعض الناس إلى أنهما لمعنيين من معاني القصة والعموم أولى، وقوله: {وإلى الله ترجع الأمور} تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وأن كل أمر فله وإليه، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش {تَرجِع} بفتح التاء وكسر الجيم، قال أبو حاتم: وهي قراءة عامة الناس، وقرأ الأعرج وابن كثير وأبو عمرو ونافع وغيرهم {تُرجَع} بضم التاء وفتح الجيم. اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا}قال مقاتل: صدَّق الله رؤيا رسوله التي أخبر بها المؤمنين عن قلة عدوهم قبل لقائهم، بأن قلَّلهم وقت اللقاء في أعينهم.وقال ابن مسعود: لقد قلُّوا في أعيننا، حتى قلت لرجل إلى جانبي: أتُراهم سبعين؟ قال: أُراهم مائة؛ حتى أخذنا رجلًا منهم، فسألناه، فقال: كنَّا ألفًا.قال أبو صالح عن ابن عباس: استقلَّ المسلمون المشركين، والمشركون المسلمين، فاجترأ بعضهم على بعض.فإن قيل: ما فائدة تكرير الرؤية هاهنا، وقد ذكرت في قوله: {إذ يريكهم الله}؟ فعنه جوابان.أحدهما: أن الأولى كانت في المنام، والثانية في اليقظة.والثاني: أن الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.والثانية: له ولأصحابه.فإن قيل: تكثير المؤمنين في أعين الكافرين أولى، لمكان إعزازهم فعنه ثلاثة أجوبة.أحدها: أنهم لو كثروا في أعينهم، لم يقدموا عليهم، فلم يكن قتال؛ والقتال سبب النصر، فقلَّلهم لذلك.والثاني: أنه قلَّلهم لئلا يتأهَّب المشركون كل التأهُّب، فإذا تحقق القتال، وجدهم المسلمون غير مستعدين، فظفروا بهم.والثالث: أنه قلَّلهم ليحمل الأعداء عليهم في كثرتهم، فيغلبهم المسلمون، فيكون ذلك آية للمشركين ومنبِّهًا على نصرة الحق. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} هذا في اليقظة.ويجوز حمل الأولى على اليقظة أيضًا إذا قلت: المنام موضع النوم، وهو العين؛ فتكون الأولى على هذا خاصةً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذه للجميع.قال ابن مسعود: قلت لإنسان كان بجانبي يوم بدر: أتراهم سبعين؟ فقال: هم نحو المائة.فأسرنا رجلًا فقلنا: كم كنتم؟ فقال: كنا ألفًا.{وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} كان هذا في ابتداء القتال حتى قال أبو جهل في ذلك اليوم: إنما هم أَكْلة جَزُور، خذوهم أخذًا واربطوهم بالحبال.فلما أخذوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا، كما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين} [آل عمران: 13] حسب ما تقدّم في آل عمران بيانه {لِيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} تكرر هذا؛ لأن المعنى في الأوّل من اللقاء، وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين، وهو إتمام النعمة على المسلمين.{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} أي مصيرها ومردّها إليه. اهـ..قال الخازن: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا} يعني أن الله سحبانه وتعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين يوم بدر لما التقوا في القتال ليتأكد في اليفظة ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأخبر به أصحابه قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال: أراهم مائة فأسرنا رجلًا منهم فقلنا كم كنتم قال: كنا ألفًا.ويقللكم في أعينهم يعني ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعين المشركين.قال السدي: قال ناس من المشركين إن العير قد انصرف فارجعوا فقال أبو جهل الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتى نستأصلهم إنما محمد وأصحابه أكلة جزور يعني لقلتهم في عينيه ثم قال: فلا تقتلوهم واربطوهم في الحبال يقوله من القدرة التي في نفسه والحكمة في تقليل المشركين في أعين المؤمنين تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ولتقوى بذلك قلوب المؤمنين وتزداد جراءتهم عليهم ولا يجبنوا عند قتالهم والحكمة في تقليل المؤمنين في أعين المشركين لئلا يهربوا وإذا استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب لقتالهم فيكون ذلك سببًا لظهور المؤمنين عليهم.فإن قلت: كيف يمكن تقليل الكثير وتكثير القليل؟قلت: ذلك ممكن في القدرة الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير ويكون ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم والمعجزة من خوارق العادات فلا ينكر ذلك {ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا} يعني أمرًا كان كائنًا من إعلاء كلمة الإسلام ونصر أهله وإذلال كلمة الشرك وخذلان أهله فإن قلت: قد قال في الآية المتقدمة ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا وقال في هذه الآية ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا فما معنى هذا التكرار؟قلت: المقصود من ذكره في الآية المتقدمة ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه القهر والغلبة ليكون ذلك معجزة دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقصود من ذكره في هذه الآية لأنه تعالى قلل عدد الفريقين في أعين بعضهم بعضًا للحكمة التي قضاها فلذلك قال ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا {وإلى الله ترجع الأمور} يعني في الآخرة فيجازى كل عامل على قدر عمله فالمحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يغفر. اهـ.
|